المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية- طريق مسدود أم أمل في رمضان؟

المؤلف: مَاجد إبراهيم11.12.2025
المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية- طريق مسدود أم أمل في رمضان؟

لا يزال التباين في وجهات النظر قائماً بين حركة حماس، التي تشدد على ضرورة الوقف الشامل لإطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، بالإضافة إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية للمدنيين، وبين حكومة نتنياهو، التي تسعى جاهدة للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، تمهيداً لاستئناف العمليات العسكرية في غزة.

وفي ظل هذا الخلاف الجوهري، اختتمت جولتان محوريتان من المحادثات، استناداً إلى وثيقة مبادئ باريس، دون التوصل إلى اتفاق بشأن المرحلة الأولى من الوثيقة، التي تتألف من ثلاث مراحل. وقد أقر كلا الطرفين بذلك، وأكد الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه من غير الممكن إبرام الاتفاق قبل الموعد الذي كانت الإدارة الأمريكية تستهدفه، وهو شهر رمضان المبارك.

في هذا السياق، يهمنا تحليل المواقف المختلفة، وتقييم إمكانية التوصل إلى اتفاق خلال شهر رمضان أو بعده، واستكشاف الشكل المحتمل لهذا الاتفاق في ضوء الفهم المتباين لأطراف المعادلة.

تضليل ومماطلة إسرائيلية

بادر نتنياهو إلى الإعلان عن بيان صادر عن جهاز الموساد الإسرائيلي، الذي يرأس فريقه التفاوضي ديفيد برنياع، الذي شارك في اجتماعين في باريس. وجاء في البيان أن "حماس في هذه المرحلة تتمترس بموقفها كطرف غير معني بالتوصل إلى صفقة، وتسعى إلى تأجيج الأوضاع في المنطقة خلال شهر رمضان".

وعلى الرغم من أن هذا الإعلان لا يعكس حقيقة ما جرى، إلا أنه يهدف إلى توجيه رسالة إلى عائلات الأسرى، ملقياً باللوم على حماس، وإقناع الإدارة الأميركية، التي تبدي حماساً لإنجاز الاتفاق قبل شهر رمضان، بأن إسرائيل بذلت قصارى جهدها لإنجاح الاتفاق، وأن حماس هي المسؤولة عن إفشاله.

غير أن الكاتب المعروف بن كسبيت كشف زيف هذا الادعاء، عندما كتب في صحيفة معاريف: "على عكس الانطباع الذي نشأ أمس عن "بيان الموساد" الذي نشره مكتب رئيس الوزراء، لا يوجد توافق في كابينت الحرب بشأن الاتصالات المتعلقة بصفقة المخطوفين. علاوة على ذلك، سُمع في كابينت الحرب أمس هجوم مباشر، غير مسبوق وفظ، على بيان الموساد وعلى نشر الرواية التي تقول إن "حماس لا تريد صفقة قبل رمضان ولم ترد على مقترح باريس، وبالتالي لا يوجد ما يمكن الحديث فيه معها".

وأضاف: "توجد هنا سلسلة من الأكاذيب"، قال لي أمس مصدر رفيع المستوى مطلع على الأمور: "إنهم يتنمرون على العائلات، ويكذبون طوال الوقت، ويعرضون صورة مشوهة". سألته ما هي الصورة الحقيقية؟ فأجاب: "تم وضع مخطط لصفقة مخطوفين في باريس. عاد الوفد إلى البلاد، وكان مجمل الأمر لرئيس الوزراء هو أن ننتظر جواب حماس. قام الأميركيون وبقية الوسطاء في هذه الأثناء بوضع مخطط محسن. كان هذا هو المخطط رقم 2. موقف الكابينت كان أننا غير مستعدين لقبول المخطط رقم 2، إلى أن يأتي جواب على المخطط رقم 1، بمعنى أن إسرائيل قالت لا".

وهذا يعني بوضوح أن إسرائيل هي التي أبدت تصلباً ورفضت الاستماع إلى مطالب حماس وملاحظاتها بشأن وثيقة باريس، التي لم تستجب لتطلعات الشعب الفلسطيني.

وقد أتيح للكاتب الاطلاع على الوثيقة المعدلة التي أرسلها الوسطاء إلى حركة حماس بعد اجتماع باريس 2، وكان أبرز عيوبها عدم النص صراحة على وقف إطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال إلى الخط العازل كمرحلة أخرى، وطالبت بالسماح فقط للنساء والأطفال بالعودة إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى عدم النص الواضح على دخول المساعدات والوقود إلى غزة بالكميات التي طالبت بها حماس، والاكتفاء بالتأكيد على أن تصل هذه الكميات إلى الذروة المطلوبة بنهاية المرحلة الأولى التي تمتد لـ 42 يومًا. بالإضافة إلى ذلك، قدمت الوثيقة معادلة تبادل الأسرى على أساس 10 إلى 1.

ويعد اعتماد مطالب حماس الإنسانية في هذه الوثيقة مكسباً للحركة، حيث يلزم الكيان الإسرائيلي بإدخال المساعدات وبكثافة بعد فترة طويلة من التشدد في هذا الأمر، هذا بالإضافة إلى رغبة نتنياهو في تخفيف الضغوط عليه من قبل إدارة بايدن.

أما فيما يتعلق بوقف إطلاق النار خلال المرحلة الأولى، فقد نصت الوثيقة على وقف تحليق طيران الاستطلاع خلال هذه المدة، لمدة 8 ساعات فقط، وهو ما رفضته حماس؛ لأنه يتعارض مع الوقف الكامل لإطلاق النار (الهدنة).

وقد قدمت حماس ردها على الوثيقة عندما زار وفدها القاهرة، وتضمن التأكيد على مطالب الحركة مع إبداء المرونة اللازمة في معادلة الأسرى، والتأكيد على السماح للراغبين في العودة إلى الشمال دون تمييز، إضافة إلى مطلب التعهد بالانسحاب الكامل ووقف إطلاق النار.

وقد أكد ذلك رئيس حركة حماس، إسماعيل هنية، في خطاب متلفز على قناة الجزيرة، موضحاً ضوابط المفاوضات، وهي الضوابط التي لم تستجب لها حكومة نتنياهو حتى الآن، وعلى رأسها وقف إطلاق النار. كما أكد أنه إذا تلقت الحركة موقفاً واضحاً بوقف العدوان وعودة النازحين "فسنبدي مرونة بشأن موضوع الأسرى"، مشيراً إلى عقبة استمرار الاحتلال في محور الشهداء، وتقطيع قطاع غزة إلى نصفين.

لا اتفاق قبل رمضان

من الجلي أن المفاوضات لم تصل إلى خواتيمها، ولم تتوصل إلى اتفاق ضمن المهلة الزمنية التي كانت الإدارة الأميركية تسعى إليها، وهي مهلة ذات أهمية وحساسية بالغة بالنسبة لإدارة بايدن، في ظل الضغوط التي تواجهها من قواعدها الانتخابية، لا سيما في صفوف الشباب، ومؤيدي الحزب من المسلمين، الذين تشكل أصواتهم في بعض الولايات عنصراً حاسماً في المواجهة مع ترامب.

والأمر لا يقتصر على ذلك، بل إن سمعة إدارة بايدن أصبحت على المحك، مع استمرار حكومة المتطرفين في استهداف المدنيين، وتوجه حكومة نتنياهو لاجتياح رفح، الأمر الذي قد يتسبب في وقوع مجازر ستقوض ما تبقى لبايدن من رصيد، إذ تعتبر هدنة رمضان مسألة حساسة لمشاعر المسلمين الأميركيين.

وثمة جانب آخر لا يقل أهمية عن ذلك، وهو رغبة إدارة بايدن في تهدئة الصراع خلال شهر رمضان، حتى لا يؤدي استمرار العدوان الإسرائيلي، بالإضافة إلى حملة التجويع التي يتعرض لها أهالي القطاع، إلى إثارة الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل عام 1948، واستفزاز العرب والمسلمين، وتحفيز إيران وحلفائها في المنطقة على تصعيد الصراع، الأمر الذي يشكل تهديداً حقيقياً لمصالح واشنطن في المنطقة، ويضر بإستراتيجيتها للانسحاب منها لصالح التصدي للخطر الصيني، والتعامل الفعال مع الحرب الروسية الأوكرانية.

وبالنظر إلى مطالب المقاومة، التي تبدو ذات سقف مرتفع، وتقييم مدى معقوليتها في ضوء الوضع الميداني، نجد أن جيش الاحتلال، وباعتراف قادته أنفسهم، يواجه حرباً شرسة، ويصرّح بأن مهمته على الأرض لم تنجز بعد، وأن هناك كتائب مقاتلة لا تزال تعمل في خان يونس، بالإضافة إلى تصاعد الهجمات على قوات الاحتلال في شمال غزة والمدينة نفسها.

يضاف إلى ذلك التقديرات العسكرية للاستخبارات الأميركية نفسها، التي تشير إلى أن قدرات حماس وأنفاقها لا تزال تعمل بفاعلية. وهذا يعني أن القيادة السياسية لحركة حماس تقف على أرض صلبة عندما تفرض شروطاً عالية (مع الاحتفاظ بالمرونة المناسبة)، حيث لم تهزم قوات حماس في الميدان، فيما لا تزال قيادتها العسكرية تتمتع بالتحكم والسيطرة، في ظل فشل الاحتلال في قتل أي من قياداتها، أو فرض شروط الاستسلام عليها، أو دفعها للموافقة على الترحيل خارج البلاد.

مع صعوبة التكهن بمصير المفاوضات، إلا أن نتيجتها سترتبط بميزان القوة على الأرض، والذي لا يزال غير راجح للاحتلال، بل ويشجع المقاومة على التمسّك بمطالب لا تتناقض مع أهداف "طوفان الأقصى"

رغبة بالإفشال

أما بالنسبة للاحتلال، فرغم أنه يحتفظ بحرية الحركة في غزة، فإنه يعجز عن تحقيق أهداف الحرب، فيما تواجه قواته إرهاقاً شديداً وحاجة ماسة لإعادة تنظيم صفوفها، فضلاً عن القيود الأميركية والغربية التي تحول دون الدخول السريع إلى رفح، وتشكيل عامل ضغط على حماس لكي تخفف من موقفها في المفاوضات.

وعليه، فإن عامل التشدد في الموقف الإسرائيلي ليس نابعاً من قوة على الأرض، وإنما بسبب قرار سياسي من نتنياهو، الذي يؤيد استمرار الحرب بدون ثمن، واستسلامه لضغوط بن غفير وسموتريتش، اللذين يهددان بإسقاط التحالف الحكومي في حال تم التوصل إلى وقف إطلاق النار دون القضاء على حماس.

لا تبدو المعادلة في الميدان في صالح الاحتلال بما يكفي لفرض شروط عالية على المقاومة، حيث تبدو المعادلة أقرب إلى التوازن بين جيش يحتل غزة، ومقاومة فاعلة تمنعه من تحقيق أهدافه، وتلحق به خسائر فادحة تحول دون امتلاكه السيطرة الكاملة على الأرض التي يقف عليها.

يبقى الموقف الأميركي قاصراً عن ممارسة ضغوط حقيقية على حكومة نتنياهو، على الرغم من القناعة بأن الاحتلال قد فشل في تحقيق أهدافه، بل وإنه يمكن التعايش مع حماس، الأمر الذي يتطلب إنجاز صفقة شاملة معها، تفضي في نهاية المطاف إلى انسحاب إسرائيلي كامل من غزة، والدخول في مرحلة ما بعد الحرب، التي تقتضي تطبيق تصور الدولة الفلسطينية كحافز للسعودية لإقناعها بتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي.

لذلك، ترى واشنطن أن هذه الحكومة تشكل عائقاً أمام تطبيق هذه الرؤية، إلا أنها تقف عاجزة عن إحداث تغيير جوهري في مواقفها.

مفاوضات وصراع مستمران

خلاصة المشهد، أن القتال لا يزال مستمراً على الأرض، في حين تتواصل المفاوضات دون توقف.

ومع حلول شهر رمضان، يزداد احتمال تصاعد الصراع في الضفة الغربية والقدس، الأمر الذي يشكل دعماً لغزة في استمرار المقاومة، مما قد يجعل عدم إنجاز اتفاق الهدنة قبل رمضان أمراً إيجابياً أكثر منه سلبياً، وإن كان يخدم أيضاً خط نتنياهو المتشدد على المدى القصير.

وقد يساهم الخط البحري الأميركي لنقل المساعدات إلى الفلسطينيين، على الرغم من عيوبه واعتباراته التي لا علاقة لها بمصلحة الفلسطينيين، في تخفيف وطأة احتياجات الناس، التي دفعت المقاومة إلى التساهل في بعض المطالب مقابل تأمين الإغاثة والمساعدات للفلسطينيين!

كما أن استمرار الصراع، وربما تصاعده، سيُبقي قوات الاحتلال في شمال فلسطين في حالة اشتباك دائم مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية من لبنان، فضلاً عن استمرار إنهاك القوات الأميركية في البحر الأحمر، وكل هذا يجري على عكس ما كانت تأمله الإدارة الأميركية.

ومع صعوبة التكهن بمصير المفاوضات، إلا أن نتيجتها ستتوقف على ميزان القوى على الأرض، الذي لا يزال غير راجح للاحتلال، بل يشجع المقاومة على التمسك بمطالب لا تتعارض مع أهداف "طوفان الأقصى"، وتؤدي إلى تفاقم الخلافات داخل الكيان الإسرائيلي بين المستويين السياسي والعسكري، وتصعيد حالة الاحتجاج من قبل أهالي الأسرى، الذين لا يزالون يؤرقون نتنياهو ويزيدون الضغط عليه لإنجاز صفقة تبادل الأسرى، خاصة مع استمرار إعلانات كتائب القسام عن مقتل أسرى الاحتلال لديها؛ نتيجة القصف الإسرائيلي، حيث تحدثت عن مقتل ما يقرب من نصف الأسرى لديها حتى الآن!

ومما لا شك فيه أن استمرار تصاعد وتيرة الضغوط الأميركية، وارتكاب الكيان الإسرائيلي المزيد من المجازر، كما حدث في مجزرة الطحين في غزة، أو نتيجة توسيع نطاق العدوان، والإعلان عن مقتل المزيد من الأسرى، فإن كل ذلك سيزيد الضغط على نتنياهو لإنجاز الصفقة، أو مواجهة أزمة في حكومته قد تؤثر على مستقبله السياسي، ما لم يلجأ إلى مناورة جديدة تبقيه على رأس السلطة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة